11.13.2007

24


فكرة الموت تصل دائماً بخَطوِ الذئب ، و زحفِ الأفعى ، مثل كلّ الأفكار المغرقة في الشرّ . فالأفكار التي تشوِّشنا لا تصل أبداً فجأة. فالمُفاجئ يخنقنا للحظاتٍ ، ولكنّه يترك لنا ، حين يرحل ، حياة مديدة . الأفكار التي تسبّب لنا أسوء جنون ، جنون الحزن . دائماً تصل شيئاً فشيئاً ، كما لو دون أن نُحَسّ بها ، تماماً كما يغزو الضباب الحقولَ دون أن نُحسَ به ، أو السلّ الدرني الصدرَ ... يتقدّم مشؤوماً ، دون كللٍ ، لكن ببطء ، وتؤدة وانتظام مثل النبض . لا نلحظه اليوم ، ربّما ولا غداً ، لا بعد غد ولا بعد شهر كامل. لكن ينقضي الشهرُ ونبدأ نشعر بالطعامِ مرّاً ، والتذكّر مؤلماً ؛ لقد لدغنا . ومع مرور النهارات والليالي نصبح أفظاظاً ومنعزلين ، تُطبخ الأفكار في رؤوسنا ، الأفكار التي ستجعلهم يقطعون رؤوسنا التي طُبِخت فيها ، من يدري ما إذا كان من أجل منعها من الاستمرار بارتكاب العمل الشنيع . ربّما قضينا أسابيع بكاملها لانتبدّل ، فالذين يحيطون بنا اعتادوا على تجهّمنا وما عادوا يستغربون كائننا الغريب . لكنّ الشرّ يكبر ذات يومٍ ويتضخّم كالأشجار ، فلا نعود نحيي الناسَ فيشعرون بنا غريبي الأطوار ، كالعشاق . نبدأ نَنْخَلُ ويزداد اترخاء ذقننا كل يوم . نبدأ نشعر بالكراهية التي تقتلنا ؛ فلا نعود نتحملّ تلك النظرةَ ، يؤلمنا وعينا ، لكن لا يهم ! الأفضل أن يؤلمنا ! تحرقنا عيوننا ، التي تمتلئ بماءٍ سامٍّ حين ننظر بقوّة ، يلاحظ العدو لهفتنا ، لكنّه مطمئن ؛ الغريزة لا تكذب . الفاجعة سعيدة ، مريحة ونتمتّع بجرجرة أرقّ المشاعر في ساحة الزجاج الواسعة التي تصير إليها روحنا ... وحين نهرب مثل يحمور ، حين تُفزعُ الكراهية أحلامَنا ، نكون قد لُغِّمنا بالشرِّ فينتفي الحلّ ، التسوية الممكنة . نبدأ بالسقوط ، شاقولياً كيلا نعود وننتصب في الحياة ... ربّما لنتنصب قليلاً في الساعة الأخيرة ، قبل أن نسقطَ على رؤوسنا في الجحيم .. شيء سيِّئ.

كاميلو خوسيه ثيلا

ليست هناك تعليقات: